آفة الديمقراطية
صفحة 1 من اصل 1
آفة الديمقراطية
آفة الديمقراطية
د. رفيق يونس المصري
لا أراني بحاجة إلى الحديث كثيرًا عن مزايا الديمقراطية ، لأن الكثيرين يرددونها بفعل قوة البلدان الديمقراطية وقوة إعلامها . ولعل من أهـم مزاياها أن هناك حدًا أقصى لمدة ولاية الرئيس ، أو النائب في البرلمان ، وأنه إذا انتهت ولاية الرئيس خرج منها بدون حمامات دم . أما الواقع عندنا فالولاية فيه مؤبدة ، حتى يسود اعتقاد أن لا أحد يستطيع أن يخلف الرئيس المؤبد ، إذا مات ، أو خلع بقدرة قادر .
لكن قلما نسمع عن مساوئ الديمقراطية ، ومنها :
1 – تمويل الحملات الانتخابية : فانتخاب الرئيس وانتخاب البرلمان يحتاجان إلى حملات انتخابية واسعة ، وهذه الحملات تحتاج إلى تمويل كبير . وهذا ما لا يقوى عليه المرشحون ، الذين يلجؤون ، حتى لو كانوا أثرياء ، إلى من يمولهم ، من شركات احتكارية متعددة الجنسيات ، أو أفراد ، أو دول ، أو أنظمة أخرى . حتى إذا ما نجح المرشحون وجب عليهم أن يردوا الجميل ، ولو بالطرق الخفية .
2 – شراء أصوات الناخبين : فالناخبون لكل منهم صوت ، بغض النظر عن أوضاعهم العلمية والثقافية وغيرها . ومن العسير ، وربما من المتعذر ، عليهم أن يفاضلوا بين المرشحين مفاضلة علمية موضوعية ، لاسيما إذا كانوا من العامة ، وهو الغالب . فلذلك قد يجدون أن من الأفضل لهم والأجدى أن يعطوا أصواتهم لمن يدفع لهم أكثر .
3 – الأغلبية أو الأكثرية : يقوم النظام السياسي الديمقراطي على النظر إلى أعداد الناس الذين يؤيدون ويعارضون ، فيغلـّبون الحكم أو الرأي بالعدد . وليس مسلمًا أن تكون الأكثرية هي المحقة . ففي القرآن الكريم كثيرًا ما يتردد أن ( أكثرهم لا يعقلون ) و ( أكثرهم يجهلون ) و ( أكثرهم كاذبون ) و ( أكثرهم للحق كارهون ) و ( عسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا ) والعكس . فالعدد عندنا لا شك أنه مهم عند تكافؤ الأدلة ، لكن ليس قبل ذلك . فالعبرة أولاً للحق أو للعدل أو للصواب . وقد تكون الأكثرية كالقطيع تتبع القوي ، وتتبع الظلم والخطأ .
4 – البحث عن رضا الناس ولو بالباطل : فكل واحد يطمع أن يكون في يوم من الأيام مرشحًا ، أو أن يكون رئيسًا ، أو عضوًا في مجلس تشريعي أو غيره . وعلى هذا فإنه يميل إلى مداهنة الشعب والناخبين ، ويؤثر النفاق على الحقيقة ، فتضيع الحقائق ، وتسود المظالم ، لميل الناس إلى الأقوى والأغنى ، حتى لو كان مبطلاً وظالمًا . وإذا كان هناك لوبي صهيوني قوي في الولايات المتحدة ، فإن قادة هذه الولايات ومرشحيها قد لا يستطيعون أن يقفوا في وجهه ، بل قد يفضلون أن يسايروه ، مهما كان ظالمًا ، ومهما كان على باطل . فيُستذل الزعماء والقادة لهؤلاء الصهاينة وأمثالهم ، ويخضعون لإرهابهم ويخنعون . وإذا حدث أن اعتدى على بلادهم معتدٍ ، واخترق أمنهم وأرضهم وأجواءهم ، فإنهم لا يستطيعون محاسبة المقصرين لديهم محاسبة قوية وجدية وسريعة وحاسمة ، بل قد يفضلون إلقاء التهم والتبعات على غيرهم من المستضعفين ، من جماعات أو بلدان . كل ذلك من أجل الطمع في كسب أصوات الناخبين . كذلك في الأرض المحتلة ، يفضل الصهاينة إلقاء المسؤولية على عرفات ، بدل إلقائها على الناخبين .
5 – الحكومة والمعارضة : في النظم الديمقراطية هناك حكومة ، وهناك معارضة مؤسسية منظمة . والمشكلة هنا أن من هو مع الحكومة فغالبًا ما يكون معها بالحق وبالباطل ، ومن هو مع المعارضة غالبًا ما يكون ضد الحكومة بالحق وبالباطل .
6 – تعددية الأحزاب والآراء : الآراء في الديمقراطية كثيرة جدًا ، بخلاف الدكتاتورية ، حيث يسود فيها رأي واحد فقط . ومن العسير ، ولاسيما على عامة الناس ، بل حتى على عامة المثقفين ، المفاضلة بين هذه الآراء والترجيح بينها . وبهذا تستطيع القوى الخفية ( المافيات وجماعات الضغـط ) تمرير الرأي المراد ، بالقوة والحيلة والدهاء والرشوة وبالترغيب والترهيب ، حتى يكاد ينعدم الفرق بين الديمقراطية والدكتاتورية ، ويصبح ظاهريًا وشكليًا .
7 – الكذب والمزايدة في البرامج الانتخابية : فترى المرشحين يضمنون برامجهم الانتخابية ما يشعرون أن الناخبين من جماهير الشعب يطالبون به ، ولا يهمهم كثيرًا أن تكون هذه المطالب محقة أو عادلة ، كما لا يهمهم كثيرًا أن يكونوا قادرين على تحقيقها ، لأن بإمكانهم إذا وصلوا إلى الحكم الالتفاف عليها ، والتلاعب بالأرقام وبالتأويلات الكثيرة والمدوخة.
8 – التناقض : فالبلدان الغربية تطبق الديمقراطية داخل بلدانها ، ولكنها لا تحب تطبيقها في بلداننا ، لكي يسهل عليهم التعامل مع هذه البلدان والتحكم والهيمنة والابتزاز ونهب الثروات .
9 – الصورية والتحايل : فأي ديمقراطية هذه إذا كنت أضغط عليك للحصول على صوتك ترغيبًا وترهيبًا ورشوة وتهديدًا ! إن زعيم أمريكا يقول : إما أن تكون معنا وإما أن تكون ضدنا ، يقصد أنه إذا كنت معنا ساعدناك بكل وسائل المساعدة ، وإذا كنت ضدنا فالويل لك ، وسنحاربك بكل وسائل المقاطعة والحصار والمكيدة والحرب . فأين حقوق الإنسان ، وأين حرية الرأي ، بل أين الديمقراطية المزعومة !
10– نشر المفاسد الأخلاقية : لا تستطيع الديمقراطية نشر الفضائل الأخلاقية ، لذلك تفضل أن تضغط على البلدان الأخرى لنشر الرذائل المتفشية عندها ، كالإباحية والفجور والخلاعة والتفكك الأسري والميسر واليانصيب والنهب والظلم والفساد والجريمة ... حتى تستوي بلدان العالم في هذه الرذائل ، أو أن تكون البلدان الأخرى أمعن في الرذيلة من البلدان الديمقراطية . وبذلك تحافظ هذه البلدان الديمقراطية على الفجوة بينها وبين البلدان الأخرى . وتصير الرذائل كأنها أهداف طيبة يجب أن تسعى إليها البلدان التابعة والضعيفة بكل الوسائل ، للتزلف إلى البلدان الديمقراطية القوية والتقرب إليها . فإذا لم تستطع الصلاح فانشر الفساد ، وازعم أنه صلاح !
علينا أخيرًا ألا نخلط بين الشورى والديمقراطية ، وأن نميز بين ديمقراطية النظرية وديمقراطية التطبيق والممارسة . فالديمقراطية السياسية كالرأسمالية الاقتصادية التي تتحدث نظريًا عن المنافسة ، في الوقت الذي تمارس فيه أقبح أنواع الاحتكار . فهل تستطيع الديمقراطية أن تتخلص من هذه الآفات وأمثالها ، أم أن هذه الآفات شيء متأصل فيها ؟ هل لدينا في الشورى ما نصلح به ديمقراطية الآخر؟ هل في الديمقراطية ما قد ينفعنا في الشورى ؟ فالشورى أصل قرآني ونبوي عظيم ، لكن تطبيقها يحتاج إلى اجتهاد المسلمين . ونحن المسلمين إنما نؤتى من الاجتهاد ، ولا نؤتى من الشرع .
عن موقع الدكتور رفيق يونس المصري
د. رفيق يونس المصري
لا أراني بحاجة إلى الحديث كثيرًا عن مزايا الديمقراطية ، لأن الكثيرين يرددونها بفعل قوة البلدان الديمقراطية وقوة إعلامها . ولعل من أهـم مزاياها أن هناك حدًا أقصى لمدة ولاية الرئيس ، أو النائب في البرلمان ، وأنه إذا انتهت ولاية الرئيس خرج منها بدون حمامات دم . أما الواقع عندنا فالولاية فيه مؤبدة ، حتى يسود اعتقاد أن لا أحد يستطيع أن يخلف الرئيس المؤبد ، إذا مات ، أو خلع بقدرة قادر .
لكن قلما نسمع عن مساوئ الديمقراطية ، ومنها :
1 – تمويل الحملات الانتخابية : فانتخاب الرئيس وانتخاب البرلمان يحتاجان إلى حملات انتخابية واسعة ، وهذه الحملات تحتاج إلى تمويل كبير . وهذا ما لا يقوى عليه المرشحون ، الذين يلجؤون ، حتى لو كانوا أثرياء ، إلى من يمولهم ، من شركات احتكارية متعددة الجنسيات ، أو أفراد ، أو دول ، أو أنظمة أخرى . حتى إذا ما نجح المرشحون وجب عليهم أن يردوا الجميل ، ولو بالطرق الخفية .
2 – شراء أصوات الناخبين : فالناخبون لكل منهم صوت ، بغض النظر عن أوضاعهم العلمية والثقافية وغيرها . ومن العسير ، وربما من المتعذر ، عليهم أن يفاضلوا بين المرشحين مفاضلة علمية موضوعية ، لاسيما إذا كانوا من العامة ، وهو الغالب . فلذلك قد يجدون أن من الأفضل لهم والأجدى أن يعطوا أصواتهم لمن يدفع لهم أكثر .
3 – الأغلبية أو الأكثرية : يقوم النظام السياسي الديمقراطي على النظر إلى أعداد الناس الذين يؤيدون ويعارضون ، فيغلـّبون الحكم أو الرأي بالعدد . وليس مسلمًا أن تكون الأكثرية هي المحقة . ففي القرآن الكريم كثيرًا ما يتردد أن ( أكثرهم لا يعقلون ) و ( أكثرهم يجهلون ) و ( أكثرهم كاذبون ) و ( أكثرهم للحق كارهون ) و ( عسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا ) والعكس . فالعدد عندنا لا شك أنه مهم عند تكافؤ الأدلة ، لكن ليس قبل ذلك . فالعبرة أولاً للحق أو للعدل أو للصواب . وقد تكون الأكثرية كالقطيع تتبع القوي ، وتتبع الظلم والخطأ .
4 – البحث عن رضا الناس ولو بالباطل : فكل واحد يطمع أن يكون في يوم من الأيام مرشحًا ، أو أن يكون رئيسًا ، أو عضوًا في مجلس تشريعي أو غيره . وعلى هذا فإنه يميل إلى مداهنة الشعب والناخبين ، ويؤثر النفاق على الحقيقة ، فتضيع الحقائق ، وتسود المظالم ، لميل الناس إلى الأقوى والأغنى ، حتى لو كان مبطلاً وظالمًا . وإذا كان هناك لوبي صهيوني قوي في الولايات المتحدة ، فإن قادة هذه الولايات ومرشحيها قد لا يستطيعون أن يقفوا في وجهه ، بل قد يفضلون أن يسايروه ، مهما كان ظالمًا ، ومهما كان على باطل . فيُستذل الزعماء والقادة لهؤلاء الصهاينة وأمثالهم ، ويخضعون لإرهابهم ويخنعون . وإذا حدث أن اعتدى على بلادهم معتدٍ ، واخترق أمنهم وأرضهم وأجواءهم ، فإنهم لا يستطيعون محاسبة المقصرين لديهم محاسبة قوية وجدية وسريعة وحاسمة ، بل قد يفضلون إلقاء التهم والتبعات على غيرهم من المستضعفين ، من جماعات أو بلدان . كل ذلك من أجل الطمع في كسب أصوات الناخبين . كذلك في الأرض المحتلة ، يفضل الصهاينة إلقاء المسؤولية على عرفات ، بدل إلقائها على الناخبين .
5 – الحكومة والمعارضة : في النظم الديمقراطية هناك حكومة ، وهناك معارضة مؤسسية منظمة . والمشكلة هنا أن من هو مع الحكومة فغالبًا ما يكون معها بالحق وبالباطل ، ومن هو مع المعارضة غالبًا ما يكون ضد الحكومة بالحق وبالباطل .
6 – تعددية الأحزاب والآراء : الآراء في الديمقراطية كثيرة جدًا ، بخلاف الدكتاتورية ، حيث يسود فيها رأي واحد فقط . ومن العسير ، ولاسيما على عامة الناس ، بل حتى على عامة المثقفين ، المفاضلة بين هذه الآراء والترجيح بينها . وبهذا تستطيع القوى الخفية ( المافيات وجماعات الضغـط ) تمرير الرأي المراد ، بالقوة والحيلة والدهاء والرشوة وبالترغيب والترهيب ، حتى يكاد ينعدم الفرق بين الديمقراطية والدكتاتورية ، ويصبح ظاهريًا وشكليًا .
7 – الكذب والمزايدة في البرامج الانتخابية : فترى المرشحين يضمنون برامجهم الانتخابية ما يشعرون أن الناخبين من جماهير الشعب يطالبون به ، ولا يهمهم كثيرًا أن تكون هذه المطالب محقة أو عادلة ، كما لا يهمهم كثيرًا أن يكونوا قادرين على تحقيقها ، لأن بإمكانهم إذا وصلوا إلى الحكم الالتفاف عليها ، والتلاعب بالأرقام وبالتأويلات الكثيرة والمدوخة.
8 – التناقض : فالبلدان الغربية تطبق الديمقراطية داخل بلدانها ، ولكنها لا تحب تطبيقها في بلداننا ، لكي يسهل عليهم التعامل مع هذه البلدان والتحكم والهيمنة والابتزاز ونهب الثروات .
9 – الصورية والتحايل : فأي ديمقراطية هذه إذا كنت أضغط عليك للحصول على صوتك ترغيبًا وترهيبًا ورشوة وتهديدًا ! إن زعيم أمريكا يقول : إما أن تكون معنا وإما أن تكون ضدنا ، يقصد أنه إذا كنت معنا ساعدناك بكل وسائل المساعدة ، وإذا كنت ضدنا فالويل لك ، وسنحاربك بكل وسائل المقاطعة والحصار والمكيدة والحرب . فأين حقوق الإنسان ، وأين حرية الرأي ، بل أين الديمقراطية المزعومة !
10– نشر المفاسد الأخلاقية : لا تستطيع الديمقراطية نشر الفضائل الأخلاقية ، لذلك تفضل أن تضغط على البلدان الأخرى لنشر الرذائل المتفشية عندها ، كالإباحية والفجور والخلاعة والتفكك الأسري والميسر واليانصيب والنهب والظلم والفساد والجريمة ... حتى تستوي بلدان العالم في هذه الرذائل ، أو أن تكون البلدان الأخرى أمعن في الرذيلة من البلدان الديمقراطية . وبذلك تحافظ هذه البلدان الديمقراطية على الفجوة بينها وبين البلدان الأخرى . وتصير الرذائل كأنها أهداف طيبة يجب أن تسعى إليها البلدان التابعة والضعيفة بكل الوسائل ، للتزلف إلى البلدان الديمقراطية القوية والتقرب إليها . فإذا لم تستطع الصلاح فانشر الفساد ، وازعم أنه صلاح !
علينا أخيرًا ألا نخلط بين الشورى والديمقراطية ، وأن نميز بين ديمقراطية النظرية وديمقراطية التطبيق والممارسة . فالديمقراطية السياسية كالرأسمالية الاقتصادية التي تتحدث نظريًا عن المنافسة ، في الوقت الذي تمارس فيه أقبح أنواع الاحتكار . فهل تستطيع الديمقراطية أن تتخلص من هذه الآفات وأمثالها ، أم أن هذه الآفات شيء متأصل فيها ؟ هل لدينا في الشورى ما نصلح به ديمقراطية الآخر؟ هل في الديمقراطية ما قد ينفعنا في الشورى ؟ فالشورى أصل قرآني ونبوي عظيم ، لكن تطبيقها يحتاج إلى اجتهاد المسلمين . ونحن المسلمين إنما نؤتى من الاجتهاد ، ولا نؤتى من الشرع .
عن موقع الدكتور رفيق يونس المصري
غدير- عضو مبتدئ
- عدد الرسائل : 35
العمر : 36
الإقامة : العراق
المهنة : مهنة أخرى
تاريخ التسجيل : 20/08/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى