منتدى المعرفة للعرب والمسلمين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

آفة الديمقراطية

اذهب الى الأسفل

آفة الديمقراطية Empty آفة الديمقراطية

مُساهمة من طرف غدير الأحد مارس 25 2012, 16:23

آفة الديمقراطية

د. رفيق يونس المصري

لا أراني بحاجة إلى الحديث كثيرًا عن مزايا الديمقراطية ، لأن الكثيرين يرددونها بفعل قوة البلدان الديمقراطية وقوة إعلامها . ولعل من أهـم مزاياها أن هناك حدًا أقصى لمدة ولاية الرئيس ، أو النائب في البرلمان ، وأنه إذا انتهت ولاية الرئيس خرج منها بدون حمامات دم . أما الواقع عندنا فالولاية فيه مؤبدة ، حتى يسود اعتقاد أن لا أحد يستطيع أن يخلف الرئيس المؤبد ، إذا مات ، أو خلع بقدرة قادر .
لكن قلما نسمع عن مساوئ الديمقراطية ، ومنها :
1 – تمويل الحملات الانتخابية : فانتخاب الرئيس وانتخاب البرلمان يحتاجان إلى حملات انتخابية واسعة ، وهذه الحملات تحتاج إلى تمويل كبير . وهذا ما لا يقوى عليه المرشحون ، الذين يلجؤون ، حتى لو كانوا أثرياء ، إلى من يمولهم ، من شركات احتكارية متعددة الجنسيات ، أو أفراد ، أو دول ، أو أنظمة أخرى . حتى إذا ما نجح المرشحون وجب عليهم أن يردوا الجميل ، ولو بالطرق الخفية .
2 – شراء أصوات الناخبين : فالناخبون لكل منهم صوت ، بغض النظر عن أوضاعهم العلمية والثقافية وغيرها . ومن العسير ، وربما من المتعذر ، عليهم أن يفاضلوا بين المرشحين مفاضلة علمية موضوعية ، لاسيما إذا كانوا من العامة ، وهو الغالب . فلذلك قد يجدون أن من الأفضل لهم والأجدى أن يعطوا أصواتهم لمن يدفع لهم أكثر .
3 – الأغلبية أو الأكثرية : يقوم النظام السياسي الديمقراطي على النظر إلى أعداد الناس الذين يؤيدون ويعارضون ، فيغلـّبون الحكم أو الرأي بالعدد . وليس مسلمًا أن تكون الأكثرية هي المحقة . ففي القرآن الكريم كثيرًا ما يتردد أن ( أكثرهم لا يعقلون ) و ( أكثرهم يجهلون ) و ( أكثرهم كاذبون ) و ( أكثرهم للحق كارهون ) و ( عسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا ) والعكس . فالعدد عندنا لا شك أنه مهم عند تكافؤ الأدلة ، لكن ليس قبل ذلك . فالعبرة أولاً للحق أو للعدل أو للصواب . وقد تكون الأكثرية كالقطيع تتبع القوي ، وتتبع الظلم والخطأ .
4 – البحث عن رضا الناس ولو بالباطل : فكل واحد يطمع أن يكون في يوم من الأيام مرشحًا ، أو أن يكون رئيسًا ، أو عضوًا في مجلس تشريعي أو غيره . وعلى هذا فإنه يميل إلى مداهنة الشعب والناخبين ، ويؤثر النفاق على الحقيقة ، فتضيع الحقائق ، وتسود المظالم ، لميل الناس إلى الأقوى والأغنى ، حتى لو كان مبطلاً وظالمًا . وإذا كان هناك لوبي صهيوني قوي في الولايات المتحدة ، فإن قادة هذه الولايات ومرشحيها قد لا يستطيعون أن يقفوا في وجهه ، بل قد يفضلون أن يسايروه ، مهما كان ظالمًا ، ومهما كان على باطل . فيُستذل الزعماء والقادة لهؤلاء الصهاينة وأمثالهم ، ويخضعون لإرهابهم ويخنعون . وإذا حدث أن اعتدى على بلادهم معتدٍ ، واخترق أمنهم وأرضهم وأجواءهم ، فإنهم لا يستطيعون محاسبة المقصرين لديهم محاسبة قوية وجدية وسريعة وحاسمة ، بل قد يفضلون إلقاء التهم والتبعات على غيرهم من المستضعفين ، من جماعات أو بلدان . كل ذلك من أجل الطمع في كسب أصوات الناخبين . كذلك في الأرض المحتلة ، يفضل الصهاينة إلقاء المسؤولية على عرفات ، بدل إلقائها على الناخبين .
5 – الحكومة والمعارضة : في النظم الديمقراطية هناك حكومة ، وهناك معارضة مؤسسية منظمة . والمشكلة هنا أن من هو مع الحكومة فغالبًا ما يكون معها بالحق وبالباطل ، ومن هو مع المعارضة غالبًا ما يكون ضد الحكومة بالحق وبالباطل .
6 – تعددية الأحزاب والآراء : الآراء في الديمقراطية كثيرة جدًا ، بخلاف الدكتاتورية ، حيث يسود فيها رأي واحد فقط . ومن العسير ، ولاسيما على عامة الناس ، بل حتى على عامة المثقفين ، المفاضلة بين هذه الآراء والترجيح بينها . وبهذا تستطيع القوى الخفية ( المافيات وجماعات الضغـط ) تمرير الرأي المراد ، بالقوة والحيلة والدهاء والرشوة وبالترغيب والترهيب ، حتى يكاد ينعدم الفرق بين الديمقراطية والدكتاتورية ، ويصبح ظاهريًا وشكليًا .
7 – الكذب والمزايدة في البرامج الانتخابية : فترى المرشحين يضمنون برامجهم الانتخابية ما يشعرون أن الناخبين من جماهير الشعب يطالبون به ، ولا يهمهم كثيرًا أن تكون هذه المطالب محقة أو عادلة ، كما لا يهمهم كثيرًا أن يكونوا قادرين على تحقيقها ، لأن بإمكانهم إذا وصلوا إلى الحكم الالتفاف عليها ، والتلاعب بالأرقام وبالتأويلات الكثيرة والمدوخة.
8 – التناقض : فالبلدان الغربية تطبق الديمقراطية داخل بلدانها ، ولكنها لا تحب تطبيقها في بلداننا ، لكي يسهل عليهم التعامل مع هذه البلدان والتحكم والهيمنة والابتزاز ونهب الثروات .
9 – الصورية والتحايل : فأي ديمقراطية هذه إذا كنت أضغط عليك للحصول على صوتك ترغيبًا وترهيبًا ورشوة وتهديدًا ! إن زعيم أمريكا يقول : إما أن تكون معنا وإما أن تكون ضدنا ، يقصد أنه إذا كنت معنا ساعدناك بكل وسائل المساعدة ، وإذا كنت ضدنا فالويل لك ، وسنحاربك بكل وسائل المقاطعة والحصار والمكيدة والحرب . فأين حقوق الإنسان ، وأين حرية الرأي ، بل أين الديمقراطية المزعومة !
10– نشر المفاسد الأخلاقية : لا تستطيع الديمقراطية نشر الفضائل الأخلاقية ، لذلك تفضل أن تضغط على البلدان الأخرى لنشر الرذائل المتفشية عندها ، كالإباحية والفجور والخلاعة والتفكك الأسري والميسر واليانصيب والنهب والظلم والفساد والجريمة ... حتى تستوي بلدان العالم في هذه الرذائل ، أو أن تكون البلدان الأخرى أمعن في الرذيلة من البلدان الديمقراطية . وبذلك تحافظ هذه البلدان الديمقراطية على الفجوة بينها وبين البلدان الأخرى . وتصير الرذائل كأنها أهداف طيبة يجب أن تسعى إليها البلدان التابعة والضعيفة بكل الوسائل ، للتزلف إلى البلدان الديمقراطية القوية والتقرب إليها . فإذا لم تستطع الصلاح فانشر الفساد ، وازعم أنه صلاح !
علينا أخيرًا ألا نخلط بين الشورى والديمقراطية ، وأن نميز بين ديمقراطية النظرية وديمقراطية التطبيق والممارسة . فالديمقراطية السياسية كالرأسمالية الاقتصادية التي تتحدث نظريًا عن المنافسة ، في الوقت الذي تمارس فيه أقبح أنواع الاحتكار . فهل تستطيع الديمقراطية أن تتخلص من هذه الآفات وأمثالها ، أم أن هذه الآفات شيء متأصل فيها ؟ هل لدينا في الشورى ما نصلح به ديمقراطية الآخر؟ هل في الديمقراطية ما قد ينفعنا في الشورى ؟ فالشورى أصل قرآني ونبوي عظيم ، لكن تطبيقها يحتاج إلى اجتهاد المسلمين . ونحن المسلمين إنما نؤتى من الاجتهاد ، ولا نؤتى من الشرع .

عن موقع الدكتور رفيق يونس المصري

غدير
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ

ذكر عدد الرسائل : 35
العمر : 36
الإقامة : العراق
المهنة : مهنة أخرى
تاريخ التسجيل : 20/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى