واقع المصارف اللاربوية4
صفحة 1 من اصل 1
واقع المصارف اللاربوية4
واقع المصارف اللاربوية4
كان في ذهن القائمين على المصارف اللاربوية تحقيق هدفين: أولهما وأهمهما تخليص المسلمين من إثم التعامل بالربا مع المصارف الربوية، وثانيهما تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلاد المسلمين المتخلفة. فهل استطاعت المصارف اللاربوية تحقيق هذه الأهداف أو بعضها؟ أم أنها انحرفت عن أهدافها، وصارت تستثمر أموالها خارج البلاد الإسلامية، وفي مشاريع لا تمت إلى التنمية بصلة؟ هذا ما ناقشناه في الحلقات السابقة وما نستكمله في هذه الحلقة موضحين مخالفات هذه المصارف والبديل لها: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المخالفات الشرعية التي ترتكبها المصارف اللاربوية: 1ـ تعاملها مع المصارف الربوية: ذلك باعتراف أحد أكبر هذه المصارف وهو الأمير محمد الفيصل صاحب دار المال الإسلامي حيث يقول: «ونتعامل معها في جزء من أموالنا وتعاملنا معها ضروري لأن المصارف الإسلامية نقطة في بحر». وهذا يعني أنهم يودعون أموالهم فيها مقابل فوائد ربوية، لأن المصارف الربوية لا تفهم إلا لغة الإقراض بفائدة والاقتراض بفائدة ولا تقوم بعمل تجاري مثل البيع والشراء. ويقول الأمين العام للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية (سمير عابد الشيخ): «لا بد من التعايش السلمي بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية ومد جسور التعاون وإيجاد لغة للتفاهم فيما بينها، هذا من أجل مستقبل العالم بأكمله، وبهذا التعاون ومد الجسور سيفيد كل منهما الآخر». وتعليقاً على هذا القول أقول: لقد طرحوا أنفسهم بديلاً كاملاً عن المصارف الربوية ووعدوا المسلمين بمستقبل خالٍ من الربا تماماً وخالٍ من المصارف الربوية حتى نطهر العالم من رجس الربا فإذا بهم يعودون للاعتراف بوجود المصارف الربوية وبشرعية وجودها وبضرورة التعاون معها ومد الجسور فيفيد كل منهما الآخر، أي نفيد المؤسسات الربوية وتفيدنا هكذا بكل بساطة. 2ـ التحول من تنمية العالم الإسلامي إلى تنمية العالم الغربي: لقد قامت هذه المصارف بطرح نفسها كمؤسسات لتنمية العالم الإسلامي، ولكنها خرجت بملياراتها إلى مصارف الغرب وأسواقه المالية والمضاربة في البورصة، والمتاجرة بالذهب والفضة في بورصات العالم فخسرت الملايين في هذه المضاربات، وارتكبت الحرام من خلال إيداع المال في مصارف ربوية وأخذ فائدة عنه، ومن خلال المتاجرة بالذهب والفضة في البورصة دون حصول تقابض فوري بل بيع حاضر وقبض مؤجل أو العكس. وفيما يلي اعترافاتهم بألسنتهم: قال الدكتور أحمد عبد العزيز النجار «ويفضل تسمية هذه البنوك بالبنوك الإسلامية لأنها قامت بالوظيفة السلبية... ولكنها لم تقم حتى الآن بقدر ملموس من الوظائف الإيجابية بوصفها مؤسسات إنتاجية إسلامية». وقال أحد رجال المصارف وهو إبراهيم السبع: «إن البنوك الإسلامية حتى فترة قريبة لم تشارك في التنمية بالشكل المطلوب». وقال الدكتور النجار: إن الممارسة العملية حتى الآن لم تحقق الهدف من إنشاء البنوك الإسلامية ولم تقربنا للغاية، وهناك شك كبير في إمكان تعديل مسارها... إن العلة في فشل البنوك الإسلامية هي في ندرة من يمكن أن تطلق عليهم حَمَلة الرسالة، إن المؤسسات المالية الإسلامية لم تأخذ من المنظومة المالية الإسلامية سوى عنصر واحد هو عاطفة الجماهير الإسلامية». وقام بيت التمويل الكويتي باستثمارات عقارية في الولايات المتحدة الأميركية بمبلغ 49 مليون دولار. وقال مساعد المدير العام لهذا المصرف (وليد الرويح) في مؤتمر صحفي إنه تم عام 1995م إبرام صفقات مرابحة كبرى مع كبرى الشركات العالمية بقيمة 600 مليون دولار إضافة إلى طرح محفظة الدانة العقارية التي تتكون من ثلاثة مشاريع عقارية سكنية في الجنوب الشرقي من الولايات المتحدة الأميركية واستثمار نحو 10 ملايين دولار في مشاريع عقارية في بريطانيا» وبلغ حجم استثماراته في المشاريع الدولية نحو 84 مليون دولار أميركي، واشترك مع سيتي بنك في تمويل مشتريات نفط لصالح شركة البتروكيماويات التايلاندية بقيمة 65 مليون دولار أميركي. وقال النجار: «إن البنوك الإسلامية استثمرت ودائع المسلمين في بنوك ربوية داخل البلاد العربية وخارجها، وإن معظم ودائع هذه البنوك موجودة في البنوك التقليدية التي تعمل بنظام الفائدة الثابتة» وقد أدى إيداع هذه الأموال إلى ضياع مئات ملايين الدولارات عندما انهار بنك الاعتماد والتجارة الدولي ويذكر أن خسائر بنك فيصل الإسلامي وحده في بنك الاعتماد والتجارة الدولي نحو 380 مليون دولار كما أن لكل من بنك قطر الإسلامي، وبنك التضامن الإسلامي، وبيت التمويل الكويتي وودائع كبيرة في البنك المنهار، ويقدر إجمالي خسائر البنوك الإسلامية في بنك الاعتماد بنحو بليون دولار أميركي». 3ـ الانصراف عن المشروعات الإنتاجية والصناعية إلى المشروعات السياحية والترفيهية: أعلن المدير العام لبنك قطر الإسلامي الدولي (قاسم محمد قاسم) أن مصرفه قام بتمويل مشروعين ترفيهيين بقيمة 30.7 مليون دولار. وقام بنك فيصل الإسلامي المصري بتأسيس شركة تحت اسم شركة السلام للاستثمار وذلك بهدف إنشاء فنادق سياحية. وكذلك قام صالح كامل صاحب مجموعة البركة للبنوك الإسلامية بإنشاء أماكن سياحية في جدة وتونس وقام باستثمار أموال في قنوات فضائية تبث بالعربية وغير العربية منها على سبيل المثال أوربت الأولى وأوربت الثانية ويفتخر بأنه يمتلك أرشيفاً لكل الأفلام العربية منذ انطلاقها حتى الآن ولا يوجد مثل هذا الأرشيف إلا عنده، حتى إن التلفزيون المصري لا يمتلك بعض هذه الأفلام. 4ـ المتاجرة بالعملات الأجنبية والذهب والفضة خارج العالم الإسلامي: تقول الدكتورة كوثر الأبجي الأستاذة في جامعة الإمارات: «هذه التجارة لا تقدم خدمة أو منفعة حقيقية للمجتمع إذ لا تساهم في إنشاء منفعة جديدة اقتصادية أو إنتاجية للبلاد الإسلامية وكان أولى بالبنوك الإسلامية أن تتجه نحو تنمية أموالها في المشروعات الإنتاجية الزراعية والصناعية المفيدة». 5ـ هذه المصارف تتعاطى الفائدة: يقول الدكتور أنس مصطفى الزرقا: «هذه المصارف لم تحل مشكلة الفائدة وإيداع الأموال فبعضها يداور موضوع الفائدة مداورة، وبعضها يتقاضى الفائدة ويدفعها للمودعين باسم عمولة، أو باسم ضمان الحد الأدنى من الربح، وبعضها يودع أمواله في الخارج ويتقاضى عنها الفائدة المقررة، ثم يحتفظ بأموال الفائدة لينفقها في وجوه الخير والبر والإحسان». 6ـ هذه المصارف تتعاطى التأمين: يقول صالح كامل صاحب مجموعة بنوك البركة الإسلامية: «حسب الفتوى الصادرة من هيئات شرعية فإن التعامل مع التأمين التجاري مباح للضرورة، أما إذا وجد التأمين الإسلامي انتفت هذه الضرورة ووجب التعامل وفق الشريعة. من هذا المفهوم أعتقد أن كل المصارف الإسلامية من دون استثناء مخالفة لهذه الفتوى» قال هذا الكلام ليس من باب الحرص على الحكم الشرعي وإنما لأنه يملك شركات تأمين يدعوها بالتأمين التعاوني. 7ـ عدم حصول خسائر: من المعروف أن كل عمل تجاري فيه ربح وفيه خسارة أما هذه المصارف والتي تجاوز عددها التسعين فلم تخسر في عمل تجاري واحد. وقد أشار النجار إلى ذلك بقوله: «إنه لم يحدث مرة واحدة أن أعلن مصرف إسلامي عن وجود خسائر لديه، ما يعني أن فكرة الربح والخسارة غير موجودة عملياً وإن كان منصوصاً عليها نظرياً، طبعاً هذا باستثناء ما حصل في بنك الاعتماد والتجارة الدولي من إفلاس نجم عنه خسارة بعض المصارف اللاربوية لمئات الملايين من الدولارات، هذه الخسارة لم تحصل نتيجة لأعمال تجارية وإنما لإفلاس المصرف المذكور. 8 ـ الرقابة الشرعية: يقول الدكتور النجار: إن الرقابة الشرعية لهذه المصارف يمارسها علماء مسلمون، وهذا مكسب لهذه المصارف، إلا أن هؤلاء العلماء لا يفقهون في المسائل الاقتصادية مما أتاح لمديري المصارف اللاربوية فرصة التحايل على الأحكام الشرعية لتحقيق الأرباح. فأصبح هذا مدعاة وذريعة لممارسات خاطئة تسيء إلى الفكر الاقتصادي الإسلامي. 9ـ نقص العناصر البشرية الخبيرة بالأعمال المصرفية اللاربوية أو الملتزمة بالإسلام. 10ـ عدم التزام بعض هذه المصارف بما جاء في عقود تأسيسها وتبرير ذلك بأنه ناتج عن ظروف معينة، وأن هذا الخروج مؤقت. 11ـ ضعف الرقابة بعامة والرقابة الشرعية بخاصة. 12ـ إختراع معاملات جديدة أُلبست ثوب الشرعية عن طريق التلفيق مثل المرابحة للآمر بالشراء والمشاركة المتناقصة وصكوك المضاربة... الخ. البديل المقترح: قد يتساءل البعض عن البديل لهذا التخبط. والجواب بشكل مختصر هو: إن هذه المؤسسات المالية هي حجر في صرح اقتصادي تتجاور معه صروح اجتماعية وسياسية وإدارية وإعلامية وعسكرية وتعليمية تتألف منها الدولة المعاصرة، وبناءً على ذلك فإن تحديد حجم هذا الحجر بالنسبة لحجم هذه الصروح يحدد حجم المراهنة التي يعلقها الناس عليها، ويحدد مدى إمكانية التغيير من خلال هذا الحجر. أي أنها تُعدُّ بمثابة جزئية يُراد لها أن تسلك طريقاً إسلامياً في كيان كل جزئياته غير إسلامية، ومحكوم بدساتير وقوانين علمانية رأسمالية، أي أن هذه السمكة الإسلامية (إذا اتفقنا على إسلاميتها) تريد أن تعيش وتنمو وتتكاثر في بحر الرأسمالية الذي يتحكم في الماء والهواء والغذاء المحيط بها وقد يخنقها في أية لحظة يريد، وإذا أفسح لها المجال لتعمل وتنمو فإنما يكون ذلك لأسباب تكاملية اقتصادية وليس لأسباب عقدية أو أيديولوجية تؤدي إلى إزاحة المؤسسات الربوية والحلول محلها. وإذا تجاوزت الخطوط المرسومة يصبح مصيرها كمصير شركات توظيف الأموال في مصر في الثمانينيات. إن المصرف شيء، والشركة التجارية شيء آخر، فالمصرف تحكمه قوانين المصارف والشركة تحكمها قوانين الشركات، وبناءً على ذلك فإن العقود التي تجريها المصارف مع عملائها هي غير العقود التي تجريها الشركات التجارية مع عملائها. أي أن البيع والشراء والمتاجرة يغاير عقد الإقراض والاقتراض والتمويل وفتح الاعتمادات وتأمين الخدمات. فالقضية ليست في التسمية، أو في الألفاظ فقط، بل في الممارسة العملية، ومشكلة المصارف اللاربوية أنها قامت بالجمع بين عمل المصرف وعمل الشركة في مؤسسة واحدة تحكمها قوانين المصارف لا قوانين الشركات، وإضافة إلى ذلك تريد بعد هذا الخطأ أن تراعي عدم مخالفة الأحكام الشرعية الناظمة والمنظمة لتداول المال. وذلك يشبه القطار الذي يُصنع له جناحان لكي يطير بهما في الهواء، فالقطار قطار والطائرة طائرة ومن الخطأ الجمع بينهما. إن المصارف الربوية تقوم بمهام مالية ذات شقين: الشق الأول هو عبارة عن سلسلة من الخدمات مثل تحويل المال من بلد لآخر، وصرف العملات، وإعطاء الكفالة المصرفية، وتحصيل فواتير الهاتف وغير ذلك من الخدمات مقابل عمولة مالية هي أتعاب هذه المنافع التي تقوم بإنشائها. هذا الشق لا غبار عليه إذا حرصت المصارف اللاربوية على القيام به دون ارتكاب المخالفات الشرعية. ولكن لماذا لا تكتفي المصارف اللاربوية بتقديم الخدمات المصرفية فقط وتلجأ إلى الأعمال التجارية؟ الجواب هو أن الخدمات لا تدر إيرادات مالية عالية تقنعُ أصحابَ المصارف تلك وتقنعُ عملاءَها من أصحاب الودائع، خاصة وأنها تتنافس مع المصارف الربوية في نسبة الفائدة أو الربح الذي يعود على المودعين، فهي حريصة على إعطاء المودعين لديها نسبة من الربح تعادل معدل الفائدة الذي تمنحه المصارف الربوية لزبائنها حتى تجذب الزبائن المتعاملين مع المصارف الربوية وتحافظ على زبائنها الساعين إلى معدلات ربح عالية. ولهذا تقوم المصارف اللاربوية بأعمال المصارف وأعمال الشركات في الوقت نفسه، وتريد أن تبقى إسلامية. فأعمال المصارف الربوية من الشق الثاني هي عبارة عن إقراض بفائدة، واقتراض بفائدة وهذه الأنشطة هي التي تدر الأرباح الطائلة التي تركض وراءها لاهثة المصارف الربوية فتربو الملايين فوق المليارات فيسيل لعاب رجال الأعمال عليها. ولهذا قامت المصارف اللاربوية بمجاراة هذه المصارف فلجأت إلى طرق تدر عليها الملايين كما هو حال المصارف الربوية، فوجدت ضالتها في المضاربة والمشاركة والمرابحة للآمر بالشراء، ولكنها حرفت هذه المعاملات لتتواءم مع العقلية المصرفية التي تريد أن تربح دائماً ولا تخسر أبداً. فبدل المضاربة في التجارة والسلع والصناعة ضاربت هذه المصارف في البورصة وأسواق الذهب والفضة. وبدل المشاركة الشرعية اخترعت المشاركة المتناقصة، وبدل المرابحة التي تحدث عنها الفقهاء وأجازوها اخترعت المصارف اللاربوية ما يسمى المرابحة للآمر بالشراء وهكذا في باقي المعاملات. والمطلوب من المصارف اللاربوية أن تختار إما أن تكون مصرفاً أو أن تكون تاجراً والفرق شاسع بينهما. فالمصرف له أحكامه والشركة لها أحكامها والخلط بينهما يوقع في الحرام. ولا يُضير أصحاب هذه المصارف أن يمارسوا الخدمات المصرفية مقابل عمولات (أي الشق الأول) من خلال مصارفهم الحالية، ويؤسسوا شركات رديفة تقوم بأعمال المشاركة والمرابحة والمضاربة كما نص عليها الشرع دون زيادة أو نقصان بحيث يطبق عليها أحكام الشركات في الإسلام وتتقبل الربح والخسارة وتستورد بضاعة استيراداً حقيقياً وتمتلك مخازن لها امتلاكاً حقيقياً ولا تكتفي بأعمال تمويل حقيقية وتحسبها على الورق أعمالاً تجارية شرعية يجيزها الإسلام. ولا يجوز حشر المسلمين دائماً في خيارين لا ثالث لهما، إما مصارف ربوية وإما مصارف لاربوية فلماذا لا يكون أمامنا ثلاثة خيارات أو أربعة أو عشرة؟ وهل عجزت العقليات الإسلامية أن تبدع في صنع الخيارات؟ ومن الخيارات التي ترد إلى الأذهان أن تمارس الخدمات المصرفية في مؤسسات قد تكون حكومية وقد تكون خاصة (قطاع خاص) فيما يشبه الخدمات البريدية، وإذا كانت الحكومات قادرة على تأمينها مجاناً فذلك أفضل، وتفتح فروع لهذه المؤسسات في أغلب الأحياء داخل المدينة الواحدة، في كل المدن والقرى الكبيرة الحجم، وبما أن هذه الخدمات لا تدر أرباحاً عالية فإنها لن تكون مغرية للقطاع الخاص لذلك ستكون الحكومات مجبرة على تأمينها لرعاياها، ويُطلق على هذه المكاتب، مكاتب صيرفة أو أي تسمية تفي بالغرض. هذا بالنسبة للخدمات أما بالنسبة للأعمال التجارية فتضم إلى ما يشبهها من تجارة وصناعة وبناء فتؤسس شركات لممارسة التجارة والزراعة والبناء وتلتزم بالعقود الجائزة شرعاً ولا يوجد أي اعتراض في هذا المجال لأن ممارسة الأعمال التجارية والصناعية من خلال شركات أو مؤسسات فردية تجوز شرعاً ضمن الضوابط الإسلامية ولا داعي لممارسة هذه الأعمال من قبل مصارف بعقلية المصارف وبقوانين المصارف. تبقى كلمة أخيرة وهي أن لا نبقى أسرى هواجس التفكير أين نذهب بالمال وكيف نحافظ عليه وكيف ننميه، فالمال وسيلة وليس غاية الغايات، وليست رسالتنا الإسلامية تكديس الثروات وإنما هداية البشر، وأمتنا لا تشكو من قلة المال فالمليارات مكدسة في مصارف الغرب، ولا يليق بنا أن نبكي على اللبن المسكوب بل نسعى لاستعادة اللبن المسروق، والمجد المسروق والكرامة المهدورة والهوية الضائعة. والمطلوب من الأمة الإسلامية أن تكمل مسيرتها في نشر الهداية للبشر وحمل الرسالة سواء وجدت المصارف أم لم توجد، ويستمر الجهاد في ظل المصارف أو في حالة عدمها، ويستمر العمل الجاد لاستئناف الحياة الإسلامية حتى في غياب المليارات، فحينما ربط الصحابة الكرام حجراً على بطونهم وربط سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حجرين لم ينتظروا حتى تتدفق عليهم المليارات للسير في طريق الدعوة الشائك ومقارعة أعداء الدعوة، ولم يحملوا هموم تكثير المال لأنه ليس غاية فعرفوا الطريق وعرفوا الهدف وضَحَّوْا في سبيله فسادوا على الأمم وأعز الله بهم الإسلام. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم [انتهى]
كان في ذهن القائمين على المصارف اللاربوية تحقيق هدفين: أولهما وأهمهما تخليص المسلمين من إثم التعامل بالربا مع المصارف الربوية، وثانيهما تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلاد المسلمين المتخلفة. فهل استطاعت المصارف اللاربوية تحقيق هذه الأهداف أو بعضها؟ أم أنها انحرفت عن أهدافها، وصارت تستثمر أموالها خارج البلاد الإسلامية، وفي مشاريع لا تمت إلى التنمية بصلة؟ هذا ما ناقشناه في الحلقات السابقة وما نستكمله في هذه الحلقة موضحين مخالفات هذه المصارف والبديل لها: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المخالفات الشرعية التي ترتكبها المصارف اللاربوية: 1ـ تعاملها مع المصارف الربوية: ذلك باعتراف أحد أكبر هذه المصارف وهو الأمير محمد الفيصل صاحب دار المال الإسلامي حيث يقول: «ونتعامل معها في جزء من أموالنا وتعاملنا معها ضروري لأن المصارف الإسلامية نقطة في بحر». وهذا يعني أنهم يودعون أموالهم فيها مقابل فوائد ربوية، لأن المصارف الربوية لا تفهم إلا لغة الإقراض بفائدة والاقتراض بفائدة ولا تقوم بعمل تجاري مثل البيع والشراء. ويقول الأمين العام للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية (سمير عابد الشيخ): «لا بد من التعايش السلمي بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية ومد جسور التعاون وإيجاد لغة للتفاهم فيما بينها، هذا من أجل مستقبل العالم بأكمله، وبهذا التعاون ومد الجسور سيفيد كل منهما الآخر». وتعليقاً على هذا القول أقول: لقد طرحوا أنفسهم بديلاً كاملاً عن المصارف الربوية ووعدوا المسلمين بمستقبل خالٍ من الربا تماماً وخالٍ من المصارف الربوية حتى نطهر العالم من رجس الربا فإذا بهم يعودون للاعتراف بوجود المصارف الربوية وبشرعية وجودها وبضرورة التعاون معها ومد الجسور فيفيد كل منهما الآخر، أي نفيد المؤسسات الربوية وتفيدنا هكذا بكل بساطة. 2ـ التحول من تنمية العالم الإسلامي إلى تنمية العالم الغربي: لقد قامت هذه المصارف بطرح نفسها كمؤسسات لتنمية العالم الإسلامي، ولكنها خرجت بملياراتها إلى مصارف الغرب وأسواقه المالية والمضاربة في البورصة، والمتاجرة بالذهب والفضة في بورصات العالم فخسرت الملايين في هذه المضاربات، وارتكبت الحرام من خلال إيداع المال في مصارف ربوية وأخذ فائدة عنه، ومن خلال المتاجرة بالذهب والفضة في البورصة دون حصول تقابض فوري بل بيع حاضر وقبض مؤجل أو العكس. وفيما يلي اعترافاتهم بألسنتهم: قال الدكتور أحمد عبد العزيز النجار «ويفضل تسمية هذه البنوك بالبنوك الإسلامية لأنها قامت بالوظيفة السلبية... ولكنها لم تقم حتى الآن بقدر ملموس من الوظائف الإيجابية بوصفها مؤسسات إنتاجية إسلامية». وقال أحد رجال المصارف وهو إبراهيم السبع: «إن البنوك الإسلامية حتى فترة قريبة لم تشارك في التنمية بالشكل المطلوب». وقال الدكتور النجار: إن الممارسة العملية حتى الآن لم تحقق الهدف من إنشاء البنوك الإسلامية ولم تقربنا للغاية، وهناك شك كبير في إمكان تعديل مسارها... إن العلة في فشل البنوك الإسلامية هي في ندرة من يمكن أن تطلق عليهم حَمَلة الرسالة، إن المؤسسات المالية الإسلامية لم تأخذ من المنظومة المالية الإسلامية سوى عنصر واحد هو عاطفة الجماهير الإسلامية». وقام بيت التمويل الكويتي باستثمارات عقارية في الولايات المتحدة الأميركية بمبلغ 49 مليون دولار. وقال مساعد المدير العام لهذا المصرف (وليد الرويح) في مؤتمر صحفي إنه تم عام 1995م إبرام صفقات مرابحة كبرى مع كبرى الشركات العالمية بقيمة 600 مليون دولار إضافة إلى طرح محفظة الدانة العقارية التي تتكون من ثلاثة مشاريع عقارية سكنية في الجنوب الشرقي من الولايات المتحدة الأميركية واستثمار نحو 10 ملايين دولار في مشاريع عقارية في بريطانيا» وبلغ حجم استثماراته في المشاريع الدولية نحو 84 مليون دولار أميركي، واشترك مع سيتي بنك في تمويل مشتريات نفط لصالح شركة البتروكيماويات التايلاندية بقيمة 65 مليون دولار أميركي. وقال النجار: «إن البنوك الإسلامية استثمرت ودائع المسلمين في بنوك ربوية داخل البلاد العربية وخارجها، وإن معظم ودائع هذه البنوك موجودة في البنوك التقليدية التي تعمل بنظام الفائدة الثابتة» وقد أدى إيداع هذه الأموال إلى ضياع مئات ملايين الدولارات عندما انهار بنك الاعتماد والتجارة الدولي ويذكر أن خسائر بنك فيصل الإسلامي وحده في بنك الاعتماد والتجارة الدولي نحو 380 مليون دولار كما أن لكل من بنك قطر الإسلامي، وبنك التضامن الإسلامي، وبيت التمويل الكويتي وودائع كبيرة في البنك المنهار، ويقدر إجمالي خسائر البنوك الإسلامية في بنك الاعتماد بنحو بليون دولار أميركي». 3ـ الانصراف عن المشروعات الإنتاجية والصناعية إلى المشروعات السياحية والترفيهية: أعلن المدير العام لبنك قطر الإسلامي الدولي (قاسم محمد قاسم) أن مصرفه قام بتمويل مشروعين ترفيهيين بقيمة 30.7 مليون دولار. وقام بنك فيصل الإسلامي المصري بتأسيس شركة تحت اسم شركة السلام للاستثمار وذلك بهدف إنشاء فنادق سياحية. وكذلك قام صالح كامل صاحب مجموعة البركة للبنوك الإسلامية بإنشاء أماكن سياحية في جدة وتونس وقام باستثمار أموال في قنوات فضائية تبث بالعربية وغير العربية منها على سبيل المثال أوربت الأولى وأوربت الثانية ويفتخر بأنه يمتلك أرشيفاً لكل الأفلام العربية منذ انطلاقها حتى الآن ولا يوجد مثل هذا الأرشيف إلا عنده، حتى إن التلفزيون المصري لا يمتلك بعض هذه الأفلام. 4ـ المتاجرة بالعملات الأجنبية والذهب والفضة خارج العالم الإسلامي: تقول الدكتورة كوثر الأبجي الأستاذة في جامعة الإمارات: «هذه التجارة لا تقدم خدمة أو منفعة حقيقية للمجتمع إذ لا تساهم في إنشاء منفعة جديدة اقتصادية أو إنتاجية للبلاد الإسلامية وكان أولى بالبنوك الإسلامية أن تتجه نحو تنمية أموالها في المشروعات الإنتاجية الزراعية والصناعية المفيدة». 5ـ هذه المصارف تتعاطى الفائدة: يقول الدكتور أنس مصطفى الزرقا: «هذه المصارف لم تحل مشكلة الفائدة وإيداع الأموال فبعضها يداور موضوع الفائدة مداورة، وبعضها يتقاضى الفائدة ويدفعها للمودعين باسم عمولة، أو باسم ضمان الحد الأدنى من الربح، وبعضها يودع أمواله في الخارج ويتقاضى عنها الفائدة المقررة، ثم يحتفظ بأموال الفائدة لينفقها في وجوه الخير والبر والإحسان». 6ـ هذه المصارف تتعاطى التأمين: يقول صالح كامل صاحب مجموعة بنوك البركة الإسلامية: «حسب الفتوى الصادرة من هيئات شرعية فإن التعامل مع التأمين التجاري مباح للضرورة، أما إذا وجد التأمين الإسلامي انتفت هذه الضرورة ووجب التعامل وفق الشريعة. من هذا المفهوم أعتقد أن كل المصارف الإسلامية من دون استثناء مخالفة لهذه الفتوى» قال هذا الكلام ليس من باب الحرص على الحكم الشرعي وإنما لأنه يملك شركات تأمين يدعوها بالتأمين التعاوني. 7ـ عدم حصول خسائر: من المعروف أن كل عمل تجاري فيه ربح وفيه خسارة أما هذه المصارف والتي تجاوز عددها التسعين فلم تخسر في عمل تجاري واحد. وقد أشار النجار إلى ذلك بقوله: «إنه لم يحدث مرة واحدة أن أعلن مصرف إسلامي عن وجود خسائر لديه، ما يعني أن فكرة الربح والخسارة غير موجودة عملياً وإن كان منصوصاً عليها نظرياً، طبعاً هذا باستثناء ما حصل في بنك الاعتماد والتجارة الدولي من إفلاس نجم عنه خسارة بعض المصارف اللاربوية لمئات الملايين من الدولارات، هذه الخسارة لم تحصل نتيجة لأعمال تجارية وإنما لإفلاس المصرف المذكور. 8 ـ الرقابة الشرعية: يقول الدكتور النجار: إن الرقابة الشرعية لهذه المصارف يمارسها علماء مسلمون، وهذا مكسب لهذه المصارف، إلا أن هؤلاء العلماء لا يفقهون في المسائل الاقتصادية مما أتاح لمديري المصارف اللاربوية فرصة التحايل على الأحكام الشرعية لتحقيق الأرباح. فأصبح هذا مدعاة وذريعة لممارسات خاطئة تسيء إلى الفكر الاقتصادي الإسلامي. 9ـ نقص العناصر البشرية الخبيرة بالأعمال المصرفية اللاربوية أو الملتزمة بالإسلام. 10ـ عدم التزام بعض هذه المصارف بما جاء في عقود تأسيسها وتبرير ذلك بأنه ناتج عن ظروف معينة، وأن هذا الخروج مؤقت. 11ـ ضعف الرقابة بعامة والرقابة الشرعية بخاصة. 12ـ إختراع معاملات جديدة أُلبست ثوب الشرعية عن طريق التلفيق مثل المرابحة للآمر بالشراء والمشاركة المتناقصة وصكوك المضاربة... الخ. البديل المقترح: قد يتساءل البعض عن البديل لهذا التخبط. والجواب بشكل مختصر هو: إن هذه المؤسسات المالية هي حجر في صرح اقتصادي تتجاور معه صروح اجتماعية وسياسية وإدارية وإعلامية وعسكرية وتعليمية تتألف منها الدولة المعاصرة، وبناءً على ذلك فإن تحديد حجم هذا الحجر بالنسبة لحجم هذه الصروح يحدد حجم المراهنة التي يعلقها الناس عليها، ويحدد مدى إمكانية التغيير من خلال هذا الحجر. أي أنها تُعدُّ بمثابة جزئية يُراد لها أن تسلك طريقاً إسلامياً في كيان كل جزئياته غير إسلامية، ومحكوم بدساتير وقوانين علمانية رأسمالية، أي أن هذه السمكة الإسلامية (إذا اتفقنا على إسلاميتها) تريد أن تعيش وتنمو وتتكاثر في بحر الرأسمالية الذي يتحكم في الماء والهواء والغذاء المحيط بها وقد يخنقها في أية لحظة يريد، وإذا أفسح لها المجال لتعمل وتنمو فإنما يكون ذلك لأسباب تكاملية اقتصادية وليس لأسباب عقدية أو أيديولوجية تؤدي إلى إزاحة المؤسسات الربوية والحلول محلها. وإذا تجاوزت الخطوط المرسومة يصبح مصيرها كمصير شركات توظيف الأموال في مصر في الثمانينيات. إن المصرف شيء، والشركة التجارية شيء آخر، فالمصرف تحكمه قوانين المصارف والشركة تحكمها قوانين الشركات، وبناءً على ذلك فإن العقود التي تجريها المصارف مع عملائها هي غير العقود التي تجريها الشركات التجارية مع عملائها. أي أن البيع والشراء والمتاجرة يغاير عقد الإقراض والاقتراض والتمويل وفتح الاعتمادات وتأمين الخدمات. فالقضية ليست في التسمية، أو في الألفاظ فقط، بل في الممارسة العملية، ومشكلة المصارف اللاربوية أنها قامت بالجمع بين عمل المصرف وعمل الشركة في مؤسسة واحدة تحكمها قوانين المصارف لا قوانين الشركات، وإضافة إلى ذلك تريد بعد هذا الخطأ أن تراعي عدم مخالفة الأحكام الشرعية الناظمة والمنظمة لتداول المال. وذلك يشبه القطار الذي يُصنع له جناحان لكي يطير بهما في الهواء، فالقطار قطار والطائرة طائرة ومن الخطأ الجمع بينهما. إن المصارف الربوية تقوم بمهام مالية ذات شقين: الشق الأول هو عبارة عن سلسلة من الخدمات مثل تحويل المال من بلد لآخر، وصرف العملات، وإعطاء الكفالة المصرفية، وتحصيل فواتير الهاتف وغير ذلك من الخدمات مقابل عمولة مالية هي أتعاب هذه المنافع التي تقوم بإنشائها. هذا الشق لا غبار عليه إذا حرصت المصارف اللاربوية على القيام به دون ارتكاب المخالفات الشرعية. ولكن لماذا لا تكتفي المصارف اللاربوية بتقديم الخدمات المصرفية فقط وتلجأ إلى الأعمال التجارية؟ الجواب هو أن الخدمات لا تدر إيرادات مالية عالية تقنعُ أصحابَ المصارف تلك وتقنعُ عملاءَها من أصحاب الودائع، خاصة وأنها تتنافس مع المصارف الربوية في نسبة الفائدة أو الربح الذي يعود على المودعين، فهي حريصة على إعطاء المودعين لديها نسبة من الربح تعادل معدل الفائدة الذي تمنحه المصارف الربوية لزبائنها حتى تجذب الزبائن المتعاملين مع المصارف الربوية وتحافظ على زبائنها الساعين إلى معدلات ربح عالية. ولهذا تقوم المصارف اللاربوية بأعمال المصارف وأعمال الشركات في الوقت نفسه، وتريد أن تبقى إسلامية. فأعمال المصارف الربوية من الشق الثاني هي عبارة عن إقراض بفائدة، واقتراض بفائدة وهذه الأنشطة هي التي تدر الأرباح الطائلة التي تركض وراءها لاهثة المصارف الربوية فتربو الملايين فوق المليارات فيسيل لعاب رجال الأعمال عليها. ولهذا قامت المصارف اللاربوية بمجاراة هذه المصارف فلجأت إلى طرق تدر عليها الملايين كما هو حال المصارف الربوية، فوجدت ضالتها في المضاربة والمشاركة والمرابحة للآمر بالشراء، ولكنها حرفت هذه المعاملات لتتواءم مع العقلية المصرفية التي تريد أن تربح دائماً ولا تخسر أبداً. فبدل المضاربة في التجارة والسلع والصناعة ضاربت هذه المصارف في البورصة وأسواق الذهب والفضة. وبدل المشاركة الشرعية اخترعت المشاركة المتناقصة، وبدل المرابحة التي تحدث عنها الفقهاء وأجازوها اخترعت المصارف اللاربوية ما يسمى المرابحة للآمر بالشراء وهكذا في باقي المعاملات. والمطلوب من المصارف اللاربوية أن تختار إما أن تكون مصرفاً أو أن تكون تاجراً والفرق شاسع بينهما. فالمصرف له أحكامه والشركة لها أحكامها والخلط بينهما يوقع في الحرام. ولا يُضير أصحاب هذه المصارف أن يمارسوا الخدمات المصرفية مقابل عمولات (أي الشق الأول) من خلال مصارفهم الحالية، ويؤسسوا شركات رديفة تقوم بأعمال المشاركة والمرابحة والمضاربة كما نص عليها الشرع دون زيادة أو نقصان بحيث يطبق عليها أحكام الشركات في الإسلام وتتقبل الربح والخسارة وتستورد بضاعة استيراداً حقيقياً وتمتلك مخازن لها امتلاكاً حقيقياً ولا تكتفي بأعمال تمويل حقيقية وتحسبها على الورق أعمالاً تجارية شرعية يجيزها الإسلام. ولا يجوز حشر المسلمين دائماً في خيارين لا ثالث لهما، إما مصارف ربوية وإما مصارف لاربوية فلماذا لا يكون أمامنا ثلاثة خيارات أو أربعة أو عشرة؟ وهل عجزت العقليات الإسلامية أن تبدع في صنع الخيارات؟ ومن الخيارات التي ترد إلى الأذهان أن تمارس الخدمات المصرفية في مؤسسات قد تكون حكومية وقد تكون خاصة (قطاع خاص) فيما يشبه الخدمات البريدية، وإذا كانت الحكومات قادرة على تأمينها مجاناً فذلك أفضل، وتفتح فروع لهذه المؤسسات في أغلب الأحياء داخل المدينة الواحدة، في كل المدن والقرى الكبيرة الحجم، وبما أن هذه الخدمات لا تدر أرباحاً عالية فإنها لن تكون مغرية للقطاع الخاص لذلك ستكون الحكومات مجبرة على تأمينها لرعاياها، ويُطلق على هذه المكاتب، مكاتب صيرفة أو أي تسمية تفي بالغرض. هذا بالنسبة للخدمات أما بالنسبة للأعمال التجارية فتضم إلى ما يشبهها من تجارة وصناعة وبناء فتؤسس شركات لممارسة التجارة والزراعة والبناء وتلتزم بالعقود الجائزة شرعاً ولا يوجد أي اعتراض في هذا المجال لأن ممارسة الأعمال التجارية والصناعية من خلال شركات أو مؤسسات فردية تجوز شرعاً ضمن الضوابط الإسلامية ولا داعي لممارسة هذه الأعمال من قبل مصارف بعقلية المصارف وبقوانين المصارف. تبقى كلمة أخيرة وهي أن لا نبقى أسرى هواجس التفكير أين نذهب بالمال وكيف نحافظ عليه وكيف ننميه، فالمال وسيلة وليس غاية الغايات، وليست رسالتنا الإسلامية تكديس الثروات وإنما هداية البشر، وأمتنا لا تشكو من قلة المال فالمليارات مكدسة في مصارف الغرب، ولا يليق بنا أن نبكي على اللبن المسكوب بل نسعى لاستعادة اللبن المسروق، والمجد المسروق والكرامة المهدورة والهوية الضائعة. والمطلوب من الأمة الإسلامية أن تكمل مسيرتها في نشر الهداية للبشر وحمل الرسالة سواء وجدت المصارف أم لم توجد، ويستمر الجهاد في ظل المصارف أو في حالة عدمها، ويستمر العمل الجاد لاستئناف الحياة الإسلامية حتى في غياب المليارات، فحينما ربط الصحابة الكرام حجراً على بطونهم وربط سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حجرين لم ينتظروا حتى تتدفق عليهم المليارات للسير في طريق الدعوة الشائك ومقارعة أعداء الدعوة، ولم يحملوا هموم تكثير المال لأنه ليس غاية فعرفوا الطريق وعرفوا الهدف وضَحَّوْا في سبيله فسادوا على الأمم وأعز الله بهم الإسلام. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم [انتهى]
غدير- عضو مبتدئ
- عدد الرسائل : 35
العمر : 37
الإقامة : العراق
المهنة : مهنة أخرى
تاريخ التسجيل : 20/08/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى